تفاصيل المدونة

الاتجاه الضمني لتنمية التفكير بين الواقع والمأمول

  • author-image

    سي بوينت

  • blog-tag الاتجاه الضمني لتنمية التفكير, الاتجاه الضمني, تنمية التفكير, التفكير الضمني, التعليم الضمني, التفكير النقدي, الإبداع في التعليم, التعلم غير المباشر, مناهج التعليم الحديثة, استراتيجيات التفكير, دور المعلم في تنمية التفكير, تقييم مهارات التفكير, التعليم في القرن الحادي والعشرين, دمج مهارات التفكير في المناهج, التفكير الواعي واللاواعي, التحليل والاستنتاج في التعليم
  • blog-comment 0 تعليق
  • created-date 08 Oct, 2025
blog-thumbnail

الاتجاه الضمني لتنمية التفكير بين الواقع والمأمول

المقدمة:

في ظل التحولات المتسارعة في البيئة التعليمية، بات من الضروري إعادة النظر في أساليب تنمية التفكير لدى المتعلمين، ليس فقط من خلال المناهج الصريحة، بل أيضًا عبر ما يُعرف بـ"الاتجاه الضمني" في التعليم. هذا الاتجاه يُعنى بتضمين مهارات التفكير في سياقات تعليمية غير مباشرة، مما يعزز من قدرة الطالب على التحليل والاستنتاج  والنقد والإبداع دون أن يشعر بأنه يخضع لتدريب مباشر (Reber, 1993).


أولًا: مفهوم الاتجاه الضمني في تنمية التفكير

يشير الاتجاه الضمني إلى إدماج مهارات التفكير ضمن الأنشطة التعليمية اليومية، بحيث لا تُقدَّم هذه المهارات كأهداف تعليمية صريحة أو مواد منفصلة خاصة تهتم بتدريس التفكير كمادة منفصلة، بل تُمارَس ضمنيًا من خلال المواقف التعليمية المختلفة. ويُعد التفكير الضمني أحد أشكال التفكير النقدي المتكامل، الذي يُمارَس في سياقات متعددة دون الحاجة إلى توجيه مباشر، وقد أكد Sternberg (2003) أن التفكير الضمني يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإبداع والحكمة، ويُعد جزءًا من العمليات العقلية العليا التي تُمارَس دون وعي مباشر، و أشار المحلاوي (2023) إلى أن التفكير الضمني يُمارس في السياقات التعليمية دون توجيه مباشر، مما يعزز من استقلالية المتعلم.
انطلاقًا مما سبق، يمكن تعريف الاتجاه الضمني في تنمية التفكير إجرائيًا بأنه: "مجموعة من الممارسات التعليمية التي تُدمج فيها مهارات التفكير ضمنيًا داخل الأنشطة الصفية والمواقف التعليمية، دون تقديمها كأهداف صريحة أو محتوى مستقل، بحيث تُمارَس بشكل طبيعي ومتكرر، وتُقاس من خلال مؤشرات سلوكية واستجابات تحليلية غير مباشرة."
ويُعد هذا الاتجاه مدخلًا تربويًا فاعلًا في تعزيز استقلالية المتعلم، وتوسيع قدراته على التأمل والنقد، خاصة عندما يُوظَّف ضمن بيئة تعليمية محفزة ومفتوحة. ويُلاحظ أن فعالية هذا الاتجاه ترتبط بمدى وعي المعلم بآليات دمج التفكير في سياق المحتوى، وليس خارجه، مما يتطلب أدوات تحليل وملاحظة دقيقة، وتدريبًا متخصصًا في تصميم المواقف التعليمية التي تُفعل التفكير دون توجيه مباشر.

ثانيًا: الواقع الحالي لتطبيق الاتجاه الضمني

رغم أن الاتجاه الضمني يُمارَس فعليًا في العديد من البيئات التعليمية، إلا أن تطبيقه لا يزال محدودًا وغير ممنهج. فغالبًا ما يُترك للمعلم أن يقرر متى وكيف يُفعّل مهارات التفكير ضمنيًا، مما يؤدي إلى تفاوت كبير في جودة التطبيق. وقد أظهرت دراسة المحلاوي (2023) أن المعلمين بحاجة إلى تدريب متخصص لتوظيف التفكير النقدي ضمن السياقات الرقمية والتعليمية الحديثة، خاصة في ظل التحديات التقنية والمحتوى الرقمي المتسارع.

ثالثًا: التحديات التي تواجه الاتجاه الضمني

من أبرز التحديات التي تعيق تنمية التفكير ضمنيًا:

  • غياب الوعي الكافي لدى المعلمين حول الفرق بين التعليم الضمني والصريح.

  • ضعف أدوات القياس التي تُمكّن من تقييم التفكير الضمني بشكل دقيق.

  • تركيز المناهج على المحتوى المعرفي دون دمج حقيقي لمهارات التفكير.

  • نقص الموارد التعليمية التي تُصمم خصيصًا لدعم هذا النوع من التفكير 

رابعًا: المأمول من الاتجاه الضمني

لتحقيق نقلة نوعية في تنمية التفكير الضمني، يُؤمَل أن يتم:

  • تطوير مناهج تعليمية تُراعي التفكير الضمني وتدمجه في الأنشطة الصفية.

  • إعداد أدوات تقييم نوعية لقياس التفكير الضمني، مثل بطاقات الملاحظة والتحليل السياقي.

  • تدريب المعلمين على تصميم مواقف تعليمية تُحفّز التفكير دون توجيه مباشر.

  • تعزيز ثقافة التفكير في البيئة المدرسية، بحيث يصبح جزءًا من الهوية التعليمية (Sternberg, 2003).

خامسًا: نماذج تطبيقية مقترحة

يمكن للمعلم أن يُفعّل التفكير الضمني من خلال:

  • طرح أسئلة مفتوحة في سياق الدرس دون الإشارة إلى أنها أسئلة تفكير.

  • استخدام مهام إنتاجية مثل كتابة تأملات أو تحليل مواقف حياتية.

  • دمج استراتيجيات مثل "التفكير بصوت عالٍ" أو "التفكير من وجهة نظر الآخر" ضمن الأنشطة الصفية (Reber, 1993).


الاتجاه الضمني لتنمية التفكير يمثل فرصة حقيقية لإحداث تحول في التعليم، شرط أن يُفهم ويُطبّق بطريقة منهجية ومدروسة. وبين الواقع الذي يشوبه القصور، والمأمول الذي يتطلب جهودًا تكاملية، يبقى هذا الاتجاه أحد مفاتيح التعليم العميق والفاعل في القرن الحادي والعشرين.


قائمة المراجع

 

العتوم، عدنان والجراح، عبد الناصر وبشارة، موفق. (2009). تنمية مهارات التفكير نظرية وتطبيقات عملية. ط2، دار الميسرة للنشر والتوزيع: عمان.

المحلاوي، رشا صالح حسين. (2023). التفكير الناقد ومهارات التعلم في العصر الرقمي: الواقع والمأمول. مجلة العلوم الإنسانية والطبيعية، جامعة تبوك، 4(1)، 1-20.

Reber, A. S. (1993). Implicit learning and tacit knowledge: An essay on the cognitive unconscious. Oxford University Press.

Sternberg, R. J. (2003). Wisdom, intelligence, and creativity synthesized. Cambridge University Press.

دعاء أنور أبو مور

تخصص المناهج وطرق التدريس

الجامعة الاسلامية بغزة

author_photo
سي بوينت

0 تعليق

يجب عليك تسجيل الدخول أو إنشاء حساب لترك تعليق.